سوريا وبراءة البنادق والسكاكين والأحقاد التاريخية - خبر صح

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا وبراءة البنادق والسكاكين والأحقاد التاريخية - خبر صح, اليوم الثلاثاء 11 مارس 2025 11:23 مساءً

اشتعلت الأرض في سوريا. عانقت نيران الساحل السوري السماء. هذا نتيجة إزاحة الصور والتماثيل؛ وظهور أعلام جديدة، ورسم حدود الدولة. لم يتحقق ذلك دون نفض غبار حكم خمسين عاما بنظام عائلي يمثله آل الأسد.

مؤخرا ظهرت كثير من الوجوه التي طالما عاشت في ميادين النار. لم يقبلوا حكايا الخرائط الجديدة. وفي صدورهم كثير من النوايا والخطط. فقد اعتادوا النوم على وسادة الخوف من الرئيس والزعيم ورث دولة على طبق من ذهب.

ولا يزالون تحت هول الصدمة. لم يستوعبوا بعد أن دمشق نامت ذات ليلة على عاش الرئيس يحيا الرئيس. واستفاقت على هروب الرئيس. هو وحاشيته وأسرته وزوجته «حمالة الذهب».

لأنهم تكيفوا على شكل سوريا بعد تحريف الدستور، وبلوغ بشار الأسد سدة الحكم، وقبلوا تحويلها مزرعة العائلة. وقد مهد الأسد الأب وشقيقه رفعت، إلغاء مفهوم الدولة العميق للوريث. ومضت سوريا كما كانت، محكومة بالحديد والنار. وفي رواية يرددها الشعب إبان تلك الحقبة، بالبسطار العسكري، أجلنا وأجلكم الله.

تلك القناعات هي التي دفعت تلك الفئة للترويج لفكرة الخوف من الحكومة الجديدة التي يمثلها أحمد الشرع. وفي الحقيقة أنها فكرة مختزلة، لأن الشرع لن يكون مجرما كما كان الهارب.

ولفهم ما تشهده سوريا يجب النبش ببعض الحقائق، دون التفريط بالنظر إلى مصدر الأحداث الأخيرة. فبعد اندلاع الثورة بوجه نظام الأسد أواخر عام 2011، نأت بعض المدن والطوائف بنفسها عما يحدث، كالمدن الساحلية ذات الغالبية العلوية.

وعلى ذكر المدن التي لم تطالها نيران الأسد، بالضرورة ذكر السويداء معقل الطائفة الدرزية، السؤال؛ لماذا لم يجرؤ الأسد على الاقتراب منها؟ الأسد وأركان نظامه يعانون من خوف تاريخي من تلك الطائفة، ما الأسباب؟ وقوف الزعيم سلطان باشا الأطرش، في وجه مجموعة حافظ الأسد وصلاح جديد، بعد أن نفذا حملة عام 1966، ألقيا خلالها القبض على مجموعة من الدروز. بعد تلك الحادثة شكل الأطرش حالة فردية دونا عن غيره من زعماء الطوائف والقبائل، من القلق والخوف في نفس الأسد، وورث الأسد الصغير تلك الحالة حتى فراره.

بالمناسبة فمناطق سوريا لا تشبه بعضها من حيث وجود الزعمات. كيف؟ في سوريا عديد من الطوائف التي يقودها زعماء تاريخيون، سواء من فئات عشائرية أو قبلية. ماذا عن الساحل؟ مدن الساحل لا تمتلك هذا العنصر من تلك الشخصيات. فزعماء ذلك الجزء السوري هم عبارة عن تجار سلاح وممنوعات، متنفذين بغطاء من آل الأسد. هذا فرق حساس في التركيبة يجب مراعاته لفهم ما يحدث.

أعود لقضيتي، وأقول إن الانفلات الأمني الذي أقدم عليه فلول نظام الأسد في الساحل، لم يكن بالمصادفة أو من دون تخطيط، فذا له أهداف مدروسة، ما هي؟ أولا: كسر حالة الصمود التي شكلها الشعب السوري ضد النظام البائد. فقد واجه السوريون محاولات اقتلاعه من أرضه، بالشجاعة فقط ووضع الأرواح أمام الأقدام. ثانيا: الحيلولة دون حقيقة احتراق ورقة الرهان على الأسد بأنه المناسب والمنقذ للدولة. ثالثا: مواجهة الخسارة الكبرى في مصالح بعض عتاة المجرمين، التي تسبب بها هروب الأسد وتركه الدولة. رابعا: محاولة شيطنة الدولة الجديدة والنفور منها، عبر تصوير أن الأقليات تعاني من اضطهاد وتمييز، وهذا غير صحيح.

وهناك الأهم، ما هو؟ تغذية نظام الأسد لتلك الفئات وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، أي من حقبة الأسد الأب وحتى الابن، على كراهية العشائر والقبائل، التي تعد النسبة الأكبر في التركيبة السورية الديموغرافية.

أتصور أن واجب الأمانة الأخلاقية، يحتم ملامسة الحقيقة، التي تؤكد أن الشريحة الأكثر استهدافا من قبل نظام الأسد، منذ مجزرة حماة التي قام بها حافظ الأسد وأخوه رفعت، حتى المجازر التي قام بها بشار الأسد، هي الشريحة المكونة من الطائفة السنية. لا أريد الحديث بهذا النفس، حتى لا أقع في وحل الطائفية، لكن هذا واقع الحال.

وعلى هذا الأساس، فقرع أجراس الخوف على الأقليات التي يتشدق بها البعض، عبارة عن محاولة لحرف الحقائق عن سياقها الطبيعي والصحيح. فالتعايش السوري - السوري بين كل الطوائف، كان متجاوزا لمحاولات الدولة الأسدية لشق الصف، لخلق فتن متوسطة وبعيدة المدى، ترمي بنهاية الأمر لتسيد النظام الأمني الأسدي المتعجرف. وهذا الفصل الجديد الذي أشعله فلول نظام الأسد، هو جزء من ذلك المسلسل التاريخي الذي يهدف للفتنة، لعرقلة مشروع الدولة الجديدة.

ومن زاوية أخرى، يجب الاعتراف بأن الحكومة السورية الجديدة وقعت في فخ «التسامح»، مع بعض المجرمين والقتلة التابعين للنظام الهارب. فقد تعاملت وفق مفهوم صحيح، مع الفئة الخطأ.

ربما حاول الشرع في كلمته التي أعقبت الأحداث تصحيح تلك الخطوة، بالتأكيد على «ملاحقة فلول النظام الساقط، ومن ارتكب جرائم بحق الشعب». لكن بالمنطق فإن ذلك لن يعالج ذلك الخطأ التي دفع الكثير من تلطخت أياديهم بالدماء للتمادي على السلم الأهلي.

أعتقد أن الحل في سوريا يكمن بفك ارتباط أولئك الطغمة بما يؤيدون أو يدعمون، وهذا يتطلب فضحهم باستخدام الحقيقة المؤدية لتعرية كل المفاهيم الأسدية المتوارثة.

إن قدرة نساء سوريا اللاتي عملن بحيل الأمهات القديمة، لإطالة صبر أبنائهن على الجوع والخوف من الإجرام الأسدي، يجب أن يكون عنوان محاسبة المجرمين بالحديد والنار دون هوادة.

حبذا أن يتم ذلك، بالتزامن مع إظهار براءة البنادق والسكاكين.. من أحقاد زبانية الأسدين التاريخية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق