رؤوس الأموال و«الآمال» في اليمن - خبر صح

المشهد اليمني 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رؤوس الأموال و«الآمال» في اليمن - خبر صح, اليوم الأربعاء 12 مارس 2025 11:15 صباحاً

التقيتُ شاباً يمنياً في جدة التحق بطابور الطامحين إلى الخروج من اليمن بعد فترة التحاق بطابور اليائسين من جدوى البقاء هناك؛ وهكذا يتناوب الشباب اليمني على طموح الخروج ويأس المكوث ويعيدون سيرة الهجرة.

الهجرة قدرُ اليمنيين... ومن عجائب اليمن أن كان سبب الهجرة الأولى «فأر» نخر سد مأرب الشهير حتى جرفه «سيل العرم». حالياً تتجسد صورة «الفأر» في «التخلف والفساد»، وتتكرر دورة الهجرة منذ انهيار السد قديماً حتى انهيار البلد حديثاً.

ينجو من الانهيار ويبقى حياً من يُكتَب له الإسهام في إعمار الكون. فيما مضى كشفت موجة الهجرات اليمنية ماذا تثمر حيث تستقر... وكيف تعمر ولا تدمر. بيد أن مفارقة عجيبة اختُص بها اليمنيون -وبعض أحفادهم العرب- دوّنها الشاعر والسياسي والاقتصادي الراحل الأستاذ محمد أنعم غالب في قصيدة تحكي قصة «غريب على الطريق» يتباهى بشجاعته: «أنا المحارب الشجاع... رصاصتي ما أخطأت قط هدف... الحرب لي عمل»...

في أثناء الحروب العالمية انضمّ ذاك المحارب إلى «الفاشيست» وحارب أصحابه اليمنيين الذين انضموا إلى «الحلفاء»: «حاربتهم وحاربوني... لا دفاعاً عن مُثُل... حاربتُ لا دفاعاً عن وطن، حاربتُ من أجل الرغيف...».

... نرجع إلى المفارقة المدوَّنة في القصيدة؛ إنها: «... وتعمرون كل أرض... وأرضكم خراب»!

بيدَ أن بعض الشباب الجديد من المهاجرين عن «خرابهم» ليجوبوا كل رصيف بحثاً عن عمل يوفر رغيف العيش، يُغادِرون الآن إلى أراضٍ معمورة برشد أبنائها وقيادتها. متطورة بخبرات مؤهلة تضاعف نماء خيراتهم. يتسابق العالم إلى الوصول إليها والمُقام للعمل فيها لا الفرار منها ومِمّن فيها.

صاحبنا في جدة، أحد 13 شاباً يمنياً كان يجمعهم المقيل (جلسة القات) والإقبال على الحياة بآمالٍ عريضة حتى طفح كيلهم، أو حسب تعبيرهم «شبعوا حياة» بسبب «أنصار» الأزمات والحروب. بعد طول اجتماع «تفرقت أيادي سبأ»؛ انفرط عقد أولئك الشباب بانسلال المجموعة الأولى التي عبرت المحيط الأطلسي إلى الضفة الأميركية، من بعد «الربيع» أو «الجحيم العربي»... ولما أنشبت الفتنة أظفارها، في العاصمة «صنعاء»، تناثر بقية أفراد المجموعة على ضفاف الخليج بين مسقط ودبي ثم رحاب الرياض وشواطئ جدة، حيث يبحث هذا الشاب عن عمل يستوعب مهاراته وقدراته، لكي يغطي احتياجات أسرته الصغيرة التي خلَّفها وراءه.

لم يَحِر جواباً على مسألة محاولة شق الطريق، حيث كان يقيم تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع التي افتتحت بعض مشاريع الشباب من باب «الفوضى تخلق فُرَصاً». بدأ يُشرِّح آسِفاً واقع تلك المناطق بما يُثبِت أن «الفوضى (تخنق) فُرَص» مَن لا يرتبط بجماعة «أنصار الله - الحوثيين» الذين فَرَضوا حالةً أمنيةً في نطاق سيطرتهم لتأمين وجودهم من دون أن يتيحوا مجال حياة آمنة مطمئنة تماماً لذوي القدرة المادية الكبيرة فما بالكم بغير ذي قدرة، ناهيكم بأن يكون غير ذي صلةٍ مباشرة ووطيدة بالجماعة، غير مستسلمٍ لشروط قادتهم، وغير مُسَلِّمٍ للجبايات المفروضة والمعرَّضة للزيادة دوماً.

ولولا أن بعض المجموعات الاقتصادية الوطنية الراسخة تكترثُ لأحوالِ موظفيها وخدمة جمهورها، وتواصل مد يد الخير وتبادل المنافع مع كل العباد على امتداد البلاد -مجموعة هائل سعيد أنعم مثلاً- لكانوا صفّوا أعمالهم هناك؛ مثلما يُصفي الشباب آمالهم في البقاء.

بعض رؤوس الأموال ورؤوس «الآمال» في اليمن تطيح بها أهوال ممارسات وتمييز الحوثيين ضد البعيدين عنهم فكرياً وفطرياً وموطناً جغرافياً، فيضطر الناس إلى الهجرة والنفور بشكلٍ يرسخ في قرارة الجماعة قبل الآخرين، أنه لن يطول مُقامها... فلكل «فأرٍ» نهاية.

*الشرق الأوسط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق