أحمد بن يزيد القشيبي.. فارس الشعر فارس المعركة - خبر صح

المشهد اليمني 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أحمد بن يزيد القشيبي.. فارس الشعر فارس المعركة - خبر صح, اليوم السبت 15 مارس 2025 12:15 مساءً

إنّ نضالَ اليمنيين تجاه الإمامة ارتبط بمجيئ الإمامةِ إلى اليمنِ من أول يومٍ لها، من قبل ورود يحيى حسين الرسي بما يزيد عن 80 عاما.

كان إبراهيم بن موسى العلوي، الملقب بالجزار قد زار اليمنَ داعية بالإمامة لابن طباطبا الذي خرج على الدولة العباسية القائمة سنة 199هـ، عقب موت الخليفة هارون الرشيد، وتغلب على الكوفة، وأرسل الدعاة إلى بعض المناطق، مدعيًا لنفسه الإمامة.

وخلال قدومه إلى اليمن بدأت أعماله الوحشية ضد اليمنيين، مستغلا مكانة أخيه علي الرضا عند المأمون الذي قربه، وعيّنه وليًا للعهد، كما قرب العلويين بشكل عام من أجل مهادنتهم ومصالحتهم وتأمينًا لشرورهم، فأعمل الجزّارُ حدَّ سيفه بين اليمنيين، متحالفًا مع بقايا "الأبناء" من الفرس، بعد أن اتخذ من صعدة قصبة لحكمه، وأعلن أن كل خارج عن حكمه خارجٌ عن الملة، مباح الدم والمال، ولكن أهل صعدة ناوؤوه وعارضوه، فخرب عليهم مدينة صعدة، وهدم سد الخانق، وقتل كل معارض، وهدم الآثار السبئية والحميرية، حتى انبرى له أحمد بن يزيد القشيبي.

وأحمد بن يزيد بن عبدالرحمن القشيبي شاعرٌ وفارسٌ وقَيلٌ من أقيال عصره، كان معتدًّا بيمنيّته، مُفاخرًا بقحطانيته، انتفض وجماعتُه ضد طغيان إبراهيم الجزار الذي عاد إلى أدراجه من حيث أتى، بعد معركة فاصلة في منطقة "جدر" خارج صنعاء، سنة 2001هـ.

قال عنه أحمد محمد الشامي في كتابه: قصة الأدب في اليمن: "وكان أحمد بن يزيد هو الذي ألّب أهلَ اليمنِ على إبراهيم بن موسى العلوي، أولِ داعية للإمامةِ في اليمن، وقلب عليه البلد، وقام كثيرٌ من اليمانية مع عبدالله بن محمد بن ماهان سنة 201هـ، ثائرين عليه حتى خرج ابن موسى طريدًا".

وقد استطاع الإفلاتَ من أسر الجزار، ضمن مئة وخمسين شخصيّة من خنفر وأكيل وشهاب، وهم قومه، أعدمهم الجزار جميعًا في عملية غادرة، وكانوا من نخبة اليمن ورجالاتها، بعد أن تحالف مع قبيلة سعد في صعدة، مواليا الخليفة العباسي المأمون ضد العلويين الذين انقلبوا عليه. وفي هذا يقول الهمداني في الإكليل في سياق الحديث عن الجزار: "فوثبَ به أحمد بن يزيد، وكان لسانًا، فألّب عليه أهل اليمن، وقلبَ عليه البلد، وقام هو وكثير من اليمانية مع عبدالله بن محمد الأحوال ابن ماهان، في سنة إحدى ومئتين، فخرج إبراهيم بن موسى طريدًا.."، كما ذكر الهمداني في الإكليل.

ورثى القشيبيُّ هؤلاء القتلى بقصيدة، منها:
فيا أسفًا من بعد صيد غطارف
جسام المعالي ليس زندهم يكبو
بكل جيادٍ تستفاض جيادهم
من الماء قرنا بعد قرن له سكب
ويقول فيهم أيضا في قصيدة أخرى
مصابيح أرضٍ أُطفئوا ثم غُيبوا
سلالة أقوال مغاوير في الردع
بقية ميمون بن حجر بن زرعة
فيا نبعة خضراء سامقة الفرع
بهم كان يُستسقى الغمام وتُتقى
بهم عثرات الدهر في السهل والتلع

وإليه أشار الهمداني أيضًا بقوله: أنه ومحمد بن أبّان الخنفري، وعلقمة بن ذي جدن، وآل المفرغ أشعر شعراء بني الهميسع الحِمْيَري. وقد خلف الزعيم الشاعر محمد بن إبان الخنفري في الرئاسة، وكان مقربًا من الأمير يعفر بن عبدالرحيم الحوالي، أمير مدينة صنعاء.

وثمة تفاصيل أخرى في هذه الواقعة التاريخية، وغيرها من الوقائع، فصلتها كتب التاريخ، سواء ما كان منها في العهد الأموي، أم ما كان في العهد العباسي. ولعل أبرزها هي الهبة السياسية التي قادها أحمد محمد العُمري "أحمر العين" ــ وهو من نسلِ عمر بن الخطاب ــ ضدَّ سياسةِ المأمون التي كانت قد قربت العلويين، والذين بدورهم تحالفوا أيضا مع الفرس، سواء في بغداد أم في اليمن. والحقيقة أن القرن الثالث الهجري هو بداية التأسيس لقرن الدويلات في اليمن التي تتابعت لفترة طويلة من الزمن.

لقد حدسَ الفارس اليماني الكبير أحمد بن يزيد القشيبي ومعه أبناء قبيلته الأحرار خطر هذا المشروع السلالي البغيض القادم من خارج حدود اليمن، وهو في بواكيره الأولى، فاعترضه هو وقومه الأحرار اليمانيون قاطبة، وأوقفوا هذا المشروع الذي ما أراد الكهنة من اليمن إلا أن تكون منطلقا لعودتهم من جديد، سواء نحو الحجاز، أو نحو العاصمة العباسية بغداد يومها. وكانت هذه المحطة هي المحطة الأولى في تاريخ النضال اليمني، مطلع القرن الثالث الهجري، وتتالت مئات المحاط بعدها حتى اليوم، فلا يزال اليمانيون يواجهون خطر هذا المشروع إلى اللحظة، بروح قشيبية يمانية حميرية أصيلة، وسيظلون كذلك، رافضين الكهانة والدجل الإمامي السلالي البغيض. وهذا ما يدحض ادعاء أزلام الكهانة أن اليمنيين متشيعين لهم، راضين بحكمهم، بل على العكس لم يقم في وجههم أحد كما وقف اليمنيون قديما وحديثا.

والشيءُ بالشيء يُذكَر، ويذكّر، كما يُقال، فقد تواصلت مسيرة آل القشيبي النضالية حتى اليوم، متمثلة في القائد العسكري حميد بن حميد منصور القشيبي، الذي تدرج في عدة مناصب عسكرية، كان آخرها قائد اللواء 310 مدرع، وفي مقر قيادته في عمران قتله الحوثيون في 8 يوليو 2014م.
وقد مثل حائط صد كبير ضد زحف الحوثيين على صنعاء خلال الأشهر السابقة لمقتله، وجرت مفاوضات عدة بينه وبينهم، وبين آخرين من القيادة السياسية أيضا، من أجل إثنائه عن موقفه الوطني الصلب، فلم يرضخ لكل تلك العروض على إغراءاتها، وسجل موقفا وطنيا للتاريخ، بصموده الأسطوري داخل قيادة اللواء، وقاتل حتى آخر رمق من حياته، بعد أن مثل حائط صد كبير ضد زحوفات الحوثيين من صعدة، وصولا إلى صنعاء، وباستشهاده أصبحت صنعاء تحت نيران الإماميين الجدد الذين اجتاحوا كل المدن اليمنية بعد ذلك.

وقد رثاه الشاعر غائب حواس بقصيدة رائعة قال فيها:
نَمْ يا " حميد " فطرفُ المجدِ سَهرَانُ
وَدمـْــعُـهُ ـ يـا أبـا الأحـــرار ـ حـَــرّانُ
مَـنْ شـيّعوكَ عـلى أعـناقـهم كـذبوا
لا يخـدعـوك فـقد باعـُوا وَقـد خـانوا
باعـوك حَـيّـاً فـباعوا سَـيْفَ عـزّتـهـم
واليومَ جـَاءوا وَسـَيفُ العِـزّ جُـثمَانُ
لا حاشـدٌ حاشـدٌ فـيـمـا بـه عـُرِفَـتْ
مــن الـوفــاء ولا عــمـرانُ عــمـرانُ
لَـسَـوفَ يـبرأُ مـن أنـسـابـهـم كـَرِبٌ
وسوف يلعـنهـم فـي القـبر قحطانُ
القبر أوفـى من الأصحاب إن غـدروا
إنّ الـمـَــقـَـابــرَ لـلـخِـــلّان خِــــلّانُ

وهكذا، إن غدرت الإمامة بقشيبي، أولدت لنا الأرض قشيبيًا آخر، فأرضنا ولادة بالعظماء المناهضين لأسوأ كهنوت إمامي بغيض.
رحم الله القائدين القُشيبيين الكبيرين، ورحم الله كل الشهداء الأحرار من أبناء اليمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق