نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن الحوار الوطني في سورية واليمن - خبر صح, اليوم الأربعاء 5 مارس 2025 12:15 مساءً
في ظلّ الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالمنطقة العربية، يبرز الحوار الوطني أداةً لإيجاد حلول للصراعات الداخلية. وفي هذا السياق، يمكن مقارنة الحوار الوطني الشامل الذي جرى في اليمن بين 2013 و2014 مع الحوار الجاري حالياً في سورية بين الفصائل والمكوّنات السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأوّل 2024، حيث تتعدّد أوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين، ما يطرح تساؤلات عن العوامل التي قد تحدّد نجاح أو فشل مثل هذه العمليات، أو لنقول تجاوز ما وقع فيه الحوار اليمني.
أوجه التشابه
تتشابه التجربتان في عدّة جوانب جوهرية. أولاً: يبرز تدخل الفاعلين الخارجيين سمةً مشتركة، حيث تتقاطع مصالح دول إقليمية ودولية في كلا البلدين بشكل كبير. ثانياً: يتمثّل وجود أطراف مسلّحة خارج إطار الدولة في كلتا الحالتين، سواء كانت فصائل معارضة أو مليشيات محلية، ما يعقّد مسار الحوار. ثالثاً: تعاني كلّ من سورية واليمن من فجوة بين نخب الثورة والنخب السياسية التقليدية، ما يؤثر بالتمثيل والتطلعات الشعبية. إضافة إلى أنّ الحديث عن مرحلة انتقالية وصياغة دستور جديد ووجود رئيس انتقالي يشكّل محوراً مشتركاً، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردّي وحالة الفوضى التي تسود البلدين. أخيراً، التطلّع إلى إعادة هيكلة الجيش في كلتا الحالتين، مع فارق أنّ الجيش اليمني كان موالياً للنظام إلى حدّ كبير، بينما انهار الجيش السوري مع سقوط الأسد.
أوجه الاختلاف
على الرغم من التشابهات، هناك فروقات واضحة بين التجربتين. في سورية، تبرز تركيا حليفاً قوياً يسعى لتثبيت الدولة ووحدة أراضيها، بينما في اليمن تعدّدت أهداف الحلفاء (مثل السعودية والإمارات) وتعارضت في كثير من الأحيان، كذلك، يختلف الهدف من الحوار؛ ففي سورية، يقتصر على التشاور وتبادل وجهات النظر بين النخب من دون التزام بقرارات ملزمة، بينما أنتج الحوار اليمني ما يقارب 1800 قرار. وفيما كانت الأمم المتحدة لاعباً رئيسياً ومقرّراً في اليمن، فإنها غائبة عن معادلة الحوار السوري حالياً. كذلك إنّ غياب رأس النظام في سورية (بعد فرار الأسد) يشكّل تبايناً مع اليمن، حيث بقي الرئيس علي عبد الله صالح فاعلاً حتى مقتله. الأمر الآخر أنّ حجم الطموحات المرجوة من (الحوار الوطني) في الحالة اليمنية لا تتناسب مع حيثيات الواقع، بينما نجد سقف الطموحات في الحالة السورية يتماشى مع الواقع على الأرض.
أخيراً، يضيف الوجود الإسرائيلي، باعتباره عاملاً خارجياً في سورية بُعداً جيوسياسياً فريداً لا ينطبق على اليمن، وإن كانت أجزاء من الجغرافيا اليمنية خارج سيطرة الدولة، إلا أنّ الفاعل كان محليًا ولا يواجه خطر الطموحات الإسرائيلية في المنطقة.
العوامل الحاسمة في نجاح أو فشل الحوار
من خلال القراءة في التجربة اليمنية، يمكن القول إن نجاح أيّ حوار وطني يعتمد على عوامل محدّدة، أبرزها: وجود حليف قوي وصادق يدعم استقرار الدولة، في اللحظة التي يجري فيها الحوار.
العامل الثاني: يكمن في هيكلة الجيش وتوحيده تحت سلطة الدولة، لأنّ الانقسام العسكري يهدّد أي تقدّم سياسي.
ثالثاً، يلعب التأثير الخارجي دوراً مزدوجاً؛ فهو قد يدعم الحوار أو يعرقله حسب تقاطع المصالح، وهذا كان جليًا في الحالة اليمنية ومثّل أهم العقبات أمام الحوار. وأخيراً، يبقى احتكار الدولة للسلاح شرطاً أساسياً لضمان سيطرة الحكومة على الأوضاع قبل أيّ مفاوضات، وهو تحدٍ يواجه كلا البلدين بدرجات متفاوتة.
في النهاية، يعكس الحوار الوطني في سورية واليمن حجم التعقيدات التي تواجه البلدين. فبينما تشترك التجربتان في تحديات بنيوية، فإن الفروقات في السياق والأهداف قد تحدّد مساراتهما. النجاح يتطلّب إرادة داخلية مدعومة بحلفاء مخلصين، وإدارة ذكية للعوامل الخارجية، مع ضمان سيادة الدولة على أراضيها وسلاحها.
*العربي الجديد
0 تعليق