خبر صح

الشهيد نايف الجماعي.. وهج الجمهورية - خبر صح

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشهيد نايف الجماعي.. وهج الجمهورية - خبر صح, اليوم الأحد 9 مارس 2025 03:03 مساءً

من خُلق ليطير يصعبُ عليه أن يزحف، والعكس أيضا صحيح. وفي عالم القيادة والكاريزما من خلق ليقود، يصعب عليه أن يُقاد، والعكس أيضا صحيح.

في الواقع ثمة شخصياتٌ تولد متسلحة بكاريزما القيادة، وتنشأ عليها، ولا تُنهي مشوارها في هذه الحياة إلا على ذلك، ونماذج التاريخ في ذلك كثيرة شرقا وغربا، قديما وحديثا.
القيادة موهبة وفن في آن واحد معا، تصقلها التجارب، ويهذبها التعليم، وتبرزها المواقف، والتاريخ كما يعرفه البعض: "شخصيات ومواقف"، وهناك أشخاص يصنعون الأحداث، كما أن هناك أحداثا تصنع الأشخاص، مستجيشة كوامن الروح الإبداعية والقيادة الكامنة فيهم. وقائدنا في هذه الرحلة الاستثنائية البطل الشهيد، الشاعر نايف الجماعي، رحمه الله.

نايف محمد يحيى الجماعي، المولود في العام 1974م، بعزلة المنار، مديرية بعدان، محافظة إب. حصل على شهادة الماجستير في المحاسبة المالية من جامعة صنعاء، رئيس اتحاد طلاب اليمن في كلية التجارة، أدار عدة أعمال مالية وإدارية بكل نجاح، وكلل حياته قائدا للمقاومة الشعبية في بعدان، وعضوا في مجلس قيادة المقاومة بمحافظة إب.

كان الجُماعي ذا كاريزما استثنائية بخطاب فصيح وعقليّة منفتحة وفكر واعٍ يعي خطر الإمامة الحوثية الإرهابية على الوطن وعلى المجتمع، فكرس جهده من وقت مبكر لمناوأتها شعرا ونثرا، بالكلمة والبندقية معا منذ اللحظات الأولى للانقلاب، فعرفت هذه الجماعة خطره عليها، فقامت بتفجير منازله أولا في أغسطس من العام 2015م، ثم ملاحقته مع رفاقه الأحرار المتأثرين به، حتى استطاعت القضاء عليه وهو في جبهات العز والكرامة في مديرية دمت في نوفمبر من العام نفسه.

الشهيد نايف الجماعي فضل الانتقال من التنظير إلى التطبيق، ومن المثاليات إلى الواقع، لم يكتف بمواجهة الحوثي شعرا ونثرا وتحشيدا وخطابات، بل شحذ همته، وغادر مكتبه الوثير، وأخذ بندقيته وتقدم صفوف المعركة حتى نال الشهادة مقبلا غير مدبر، بشجاعة الأبطال وهمم الرجال، ونادرا من يفعل ذلك، ونادرا من يقدم روحه فداءً لوطنه، كامتدادٍ لعلي عبدالمغني ابن محافظته، وكامتدادٍ لأبي الأحرار الزبيري، وأيضًا للشاعر الشهيد خالد الدعيس الذي لحقه بعد ذلك، رحمهم الله.

نظم الشعر مبكرا، فكتب القصيدة، إلا أن قريحته الشعرية تفتقت أكثر أثناء دراسته في جامعة صنعاء، خاصة وقد لقي من الاحترام والتقدير الكثير من زملائه وأساتذته وأصدقائه، فنظم القصائد الشعرية ذات المنحى الوطني الجمهوري بروح سبتمبرية خلاقة، وكانت قصائده هذه التي نظمها مصدرَ إلهام للمناضلين الأحرار تمدهم بالروح المعنوية العالية، سواء القصائد المغناة أم غير المغناة. يقول:
قف مع الروح عند نكأ الجراح
واقصد لجدٍ فات وقت المزاح
حصحص الحق والفريضة أضحت
عين يا صاح قم لشحذ الجماحِ

يذكرنا تماما بالدور الوطني الكبير الذي لعبه المناضل صالح سحلول عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 62م، سواء بالبندقية أم بالشعر، والرابط بينهما الروح المتدفقة والحماس الوطني والشعر الثوري، فكان سحلول الشرارة التي تلهب السهل والجبل أينما حل، وحيث رحل، كذلك كان الجماعي باعث الروح الوطنية والثورية أينما ذهب، وإن شئت قل إنه شبيه أبي الأحرار محمد محمود الزبيري رحمه الله، الذي ناضل بالسياسة، كما ناضل بالشعر، كما ناضل بالمقالة الصحفية، كما ناضل بروحه حتى فاضت تلك الروح الطاهرة إلى باريها على يد كهنة الإمامة السلالية البغيضة في منطقة برط، من محافظة الجوف، مطلع شهر ابريل 1965م، وكذلك فعل شهيدنا نايف الجماعي، ناضل بالشعر، وبالمقالة والمال، وأخيرا بنفسه، وهي أغلى ما يملك، حتى فاضت روحه على يد كهنة الإمامة الباغية، وهكذا تفعل الإمامة الخبيثة مع كل عظماء اليمن عبر التاريخ، فما من عظيم أو زعيم إلا ونالت منه.

ولشخصيته المتميزة فقد تأثر به رجالاتُ القبائل، كما تأُثر به المثقفون والسياسيون والجُند المقاتلون في مختلف الجبهات، وعامة الناس، ونادرا من يمتلك موهبة التأثير هذه التي لا تتوافر إلا في الشخصيات الاستثنائية.

كاريزما استثنائية واثقة بعدالة قضيتها واندحار عدوها التاريخي، متمثلا ما قاله الشاعر محمود درويش:
يا دامي العينين والكفين!
إن الليل زائلْ
لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ
ولا زَرَدُ السلاسلْ!
نيرون مات ولم تمت روما
بعينيها تقاتلْ!
وحبوبُ سنبلةٍ تموت
ستملأُ الوادي سنابلْ..!
لقد اكتسب شهيدنا هذه الثقة بالنفس والاعتداد بالذات من حياته المتعددة التي عاشها على أكثر من صعيد..

حياة توزعت على حيوات، بين الشعر والاقتصاد والمال والإدارة والقبيلة والنضال، وأخيرًا الشهادة التي توج بها مسيرته المتعددة؛ لهذا يصعبُ على أي أحد أن يسدّ مكانه هذا، أو قل أمكنته الشاغرة التي تركها ورحل، ومن بحجم نايف الذي يترك كرسيه ومكتبه ومنزله وأمواله، ثم ينطلق إلى جبهة النضال، حاملا بندقيته وروحه بين يديه، منشدا:
عيدي مقاومةٌ يا خير أعيادي
ونصرها الفاتح الميمون ميلادي
عيدي زنادي سلاحي يوم تحمله
كفي لنصرة ديني يوم ميعادي
عيدي بلون أديم الأرض أعشقها
من قبل عشقي لزوجاتي وأولادي

قتل الكهنة السلاليون نايف الجماعي جسدا فقط، لكن الشهيد البطل بقي روحًا خالدة كما بقيت روح الزبيري، غير مدركين حقائق الحياة، إذ الأمر كما قال درويش:
فالوحش يقتل ثائرًا والأرض تنبت ألف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر

الشهيد الجماعي اليوم روح جمعية تسري بين وجدان أتباعه، وسيظل كذلك خالدا في ذاكرة الشعب، لأن الشعوب لا تنسى أبناءها الأبرياء الأوفياء. هل نسي اليمنيون الزبيري وعلي عبدالمغني؟ كلا. إنهما حاضران في وعيهم الجمعي أبد الدهر.
ارتفع الزبيري شهيدا يلملمُ أحشاءه مرددا:
بحثتُ عن هبةٍ أحبوك يا وطني
فلم أجد لك إلا قلبي الدامي
وهو ذات الإعلان الذي ردده الشهيد نايف الجماعي في أيامه الأخيرة، معلنا:
شهيد وأحيا عند ربي حياتي
لا تحسبوني مت من بين الامواتْ
فدى الوطن روحي ونفسي وذاتي
من في سبيل الله ضحى فما ماتْ

إنها واحدية الروح، وواحدية القضية، وواحدية الموقف، وواحدية العدو التاريخي لليمن واليمنيين المتمثل في كهنة الإمامة العنصرية البغيضة قديما وحديثا، من لدن كاهنهم الأول يحيى حسين الرسي، وحتى كاهنهم الأخير اليوم.

رحم الله شهيد العزة والكرامة الشهيد نايف الجماعي الذي غادر دنيانا شهيدا برصاصة سلالي غادر في نوفمبر من العام 2015م، مقبلا غير مدبر، مدافعا عن الأرض والعرض، ورحم الله كل شهداء الوطن.

أخبار متعلقة :