خبر صح

خواطر رمضانية.. لعلهم يحذرون - خبر صح

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خواطر رمضانية.. لعلهم يحذرون - خبر صح, اليوم الاثنين 3 مارس 2025 11:10 مساءً

لم يكن الدين الإسلامي مقولباً بقالب معين، أو هو شيء جامد كبقية الديانات؛ بل كان اجتهاداً متجدداً يتتبع مصالح المسلمين وما ينفعهم في كل شاردة وواردة واعتبرها من التفقه في الدين.

ففي قمة الفعل السياسي والعسكري الإسلامي أرشد الله سبحانه وتعالى المسلمين إلى كيفية التعامل معها وإدارتها حتى يستفيد منها المسلمون ودون خسائر.

من هذه التوجيهات الحساسة والتي لا يفقهها كثير من الفقهاء الجامدين قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}التوبة122 تتكون المعارك عادة من شقين؛ معنوي وعسكري، والمعنوي هو الداعم والمكمل للعسكري، بحيث هو الدافع الأساس للعسكري.

في كل حدث له دوافع، وهذا الدافع هو الذي ركز عليه القرآن في هذه الآية.

فليس من الدين، ولا من الحكمة كذلك، أن تنفر المجتمعات كلها إلى الميدان دون الالتفاتة إلى الجوانب الأخرى من المعارك، وهي المعارك العلمية وأبعاد هذه المعارك العسكرية وما تتطلبه من إعداد وما يترتب عليها من نتائج.

في وقت الحروب يوجه القرآن المسلمين، أو القادة وأصحاب الأمر، إلى أنه لا ينبغي لكل الناس النفير إلى المعركة، بل يكون جزء منهم متوجهاً إلى العلم والمعرفة بغرض الإحاطة بالمعركة من كل جوانبها ومجالاتها، وهذه الفرقة التي تنفر إلى العلم الذي وصفه القرآن بدقة (بالتفقه في الدين) هو فقه الأحداث والمقاصد والنتائج المعنوية للمعارك، الغاية منها (لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، فما العلاقة بين الفقه والمعركة ؟

من يتابع المعارك عبر التاريخ وإلى اليوم يجد أن من يخوض المعركة بغير فقه ولا إدراك للمآلات، ولا معرفة ولا إحاطة ببقية الجوانب كدراسة وتفقه في الحالة الكائنة بما يوائمها من الدين تكون المعركة ناقصة إن لم تكن خاسرة. والتفقه في الدين هنا ليس المقصود به الفقه الفردي ولا العادي الذي يتعلمه الفرد من أولويات الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والطهارة وغيره، بل هو المعرفة والإحاطة الشاملة بالأحداث من حولك ولذلك تم ربطه بالحذر!

وظيفة هذه الفرقة المتفقهة في الدين أيضاً أن تعمل دراسات مختلفة للمعارك وساء كانت السياسية أو العسكرية، للوصول إلى التحذير للنافرين في الميدان الخائضين غمار المعارك، ولتعمل كفرقة استطلاعية تنذر القيادة في الميدان.

طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجانب بحذافيره في كل غزواته ومعاركه التي خاضها مع قريش أو غيرها، كما في بدر حينما جاءته عيونه الاستطلاعية تخبره بعير قريش، وفي أحد حينما أبلغته عيونه أن قريشاً تجهز للمعركة ثأراً لبدر، وكذلك في الخندق (من يأتيني بخبر القوم؟)، وكذلك في فتح مكة حينما أرسل من يأتيه بحاطب بن أبي بلتعة الذي ذهب ليخبر قريشاً بما يعده النبي من الفتح، وما اتخذه من أسلوب التضليل على قريش، ثم أساليبه الاستخباراتية والتنفيذية أثناء الفتح.

ربط هذا الجانب بالدين باعتبار المصالح العامة للمسلمين، في أن أي وسيلة تنفع المؤمنين هي من صميم فقه الدين؛ فالتفقه ليس شيئاً جامداً يقتصر عند طقوس معينة جامدة، وهي التي ما زال المسلمون يتيهون فيها جيلاً بعد جيل منذ القرن الثاني الهجري وحتى اليوم، ولذلك جمدوا في كل المجالات. فالمغزى من الآية هي التعلم الدائم والتفقه الحركي الذي يقود للاجتهاد والتطور لمصالح المسلمين والحفاظ على أمنهم واستقرارهم وهي الغاية من كل تلك التوجيهات وتطبيقاتها (لعلهم يحذرون).

كمتابعين لكثير من المعارك الاستراتيجية العالمية، والتخطيطات الدولية، فقد طبق العالم اليوم هذه الاستراتيجية بلافتة مراكز الدراسات التي تخطط وتحيط بالأبعاد الاستراتيجية للمعارك ورسم السياسات، وكذلك المنظمات الميدانية العاملة في كافة المجالات، ومن الغباء كل الغباء أن يظن الناس أن هذه المنظمات العاملة في الميادين العربية هي منظمات خيرية تبتغي الأجر والثواب؛ بل كتائب استطلاعية تنشئ قاعدة بيانات ضخمة بكل صغيرة وكبيرة وترفعها للجهات الداعمة التي على ضوئها ينشئون دراساتهم المختلفة للتعامل مع هذه الدول والبلدان، ولذلك يندهش الكثير حينما يجد أن هذه الدول تعرف كل صغيرة وكبيرة عن البلد في حين لا تعلمه حكومات تلك الدول، وبالتالي تتعامل مع هذه الدول وفق مصالحها فتفرض من تريد وتزيح من تريد، وتحرك الميادين متى رأت ذلك لصالحها، وتوقفها متى رأت ذلك في غير صالحها، وتلعب بالحكومات بإصبع واحد.

أخبار متعلقة :