نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فلسطين والظلم الحضري!! - خبر صح, اليوم الأحد 16 مارس 2025 12:24 صباحاً
إن مصطلح العدالة الحضرية Urban Justice يعد أحد أكثر المصطلحات شيوعا في مجال التخطيط الحضري، ولا تكاد تخلو أي أطروحات نظرية من مناقشة قضية العدالة في المدن وحقوق الأقليات. وفي مقابل ذلك، يظل مصطلح الظلم الحضري Urban Injustice غير متداول بشكل واسع النطاق في الأدبيات والبحوث الحضرية؛ وأحيانا يتم التعامل معه كمرادف لمصطلح عدم المساواة الحضرية Urban Inequality. العدالة الحضرية تؤكد على حق المعاملة العادلة والوصول المتكافئ للموارد لجميع سكان المدينة والمشاركة الاجتماعية بغض النظر عن العرق أو اللون أو الأصل. وتسعى المدينة العادلة إلى صناعة سياسات عمرانية قادرة على خلق فرص الوصول للجميع والتغلب على آثار العنصرية الناشئة من المزايا العرقية أو الاقتصادية لبعض الفئات الاجتماعية.
في التخطيط الحضري يشير مصطلح عدم المساواة الحضرية إلى التوزيع غير العادل للموارد ومستويات الوصولية إلى الخدمات وخاصة الخدمات الصحية والتعليمية والسكن الملائم. يمكن أن يحدث ذلك في بعض دول العالم نتيجة خلل في سياسات التخطيط الحضري وضعف البرامج الاجتماعية التنموية والتي تقود إلى سيطرة قوى السوق لخدمة أصحاب رؤوس الأموال على حساب محدودي الدخل والفئات المستضعفة.
إن عدم المساواة الحضرية يمكن أن يشمل جوانب اجتماعية وبيئية، فالطبقة العاملة والفقراء والأشخاص الملونون في بعض دول العالم يعانون من التهميش الاجتماعي ويعيشون بالقرب من المناطق الملوثة بيئياً أو غير الصالحة للسكن ويعانون من ظروف معيشية سيئة في المدن.
تستحضر نظريات التخطيط تجارب من التاريخ عن التمييز العنصري بين السود والبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، وعن السياسات الأخلاقية في التخطيط العمراني. وعن الحياة البائسة لطبقة العمال في إنجلترا وأشكال الاضطهاد الطبقي في الأحياء الفقيرة في مانشستر. نستذكر كتابات David Harvey حول العلاقة بين الرأسمالية وعدم المساواة الحضرية. ونقف مليا عند كتابات William J. Wilson حول العنصرية والفقر الحضري والتفاوتات العرقية في المدن. وكتابات Susan Fainstein وممارسات التخطيط التي تعيد إنتاج عدم المساواة الحضرية وكشفها مفاهيم دقيقة حول المدينة العادلة باعتبارها ساحة المشاركة الديمقراطية، والمساواة، والتنوع، والنمو، والاستدامة. أما كتابات Jane Jacobs فأصبحت أيقونة في مجال قيم المدينة وأصالتها وحقوق الأقليات وحماية الأحياء الفقيرة من الآثار السلبية لعمليات التجديد الحضري المدعومة بالنفوذ والسلطة المركزية.
ولكني أتساءل أين أقلام العلماء ولماذا تقف عاجزة عن كتابة أي أطروحات أخلاقية أو نظريات لما يحدث للشعب الفلسطيني من تهجير وقمع واعتداءات ممنهجة؟ ولماذا البحوث والدراسات التي تتناول قضايا الظلم الحضري للشعب الفلسطيني تكاد تكون شحيحة؟ التحديات التي يواجهها المجتمع المدني في فلسطين تشمل تقييد الوصول إلى الخدمات أو منعها بالكلية ونزع الأراضي وجرف المناطق الزراعية وتدمير المنازل وهذا كله غيض من فيض.
في الواقع، أرى أن الظلم الحضري يختلف عن عدم المساواة الحضرية ويمكن تعريفه بأنه أقسى مراحل عدم المساواة والقمع الحضري الممنهج. يحدث الظلم الحضري نتيجة التخطيط لإيقاع الأذى بالمجتمعات المدنية وتعمد تهميش مجتمع ما أو تهجيره قسرا بسبب الحروب الأهلية أو الاعتداءات العسكرية. يصاحب الظلم الحضري قطع متعمد لإمدادات المياه والغذاء والطاقة عن السكان، مما يؤدي إلى نقص المخزون الاستراتيجي من المياه والغذاء والدواء في المدن.
باختصار، فلسطين تعد مثالا صارخا ليس في الظلم الحضري وصراع القوى والمصالح الجيوسياسية فحسب؛ بل للتميز في المعايير الأخلاقية والنظريات وموازين البحث العلمي الحيادي.
0 تعليق